هل يحيل ترامب صندوق النقد والبنك الدولي إلى متحف التاريخ؟

هل يحيل ترامب صندوق النقد والبنك الدولي إلى متحف التاريخ؟

أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمراجعة المنظمات الدولية التي تساهم الولايات المتحدة الأمريكية في تمويلها. ماذا يعني هذا بالنسبة لاجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا الأسبوع؟

عادة لا يتصدر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عناوين الأخبار إلا في أوقات الاضطرابات الكبيرة. ومن المرجح أن يؤدي البحث على محرك البحث غوغل عن الأرجنتين إلى ظهور مقالات عن قروض صندوق النقد الدولي للبلد المثقل بالديون بقدر ما تظهر معلومات عن آخر انتصارات نجم كرة القدم ليونيل ميسي.

في الأسبوع الماضي تم الإعلان عن أحدث حزمة مالية لصندوق النقد الدولي بقيمة 20 مليار دولار أمريكي (17.4 مليار يورو) للأرجنتين، أكبر دولة مدينة للصندوق. وهكذا يواصل صندوق النقد الدولي دعمه لمسار الإصلاح الذي ينتهجه الرئيس الليبرالي خافيير ميلي الذي يريد إعادة اقتصاد البلد الواقع في أمريكا الجنوبية إلى المسار الصحيح بعد عقود من الإنفاق الحكومي المفرط.

ويميل عمل البنك الدولي إلى أن يتم بعيداً عن الأنظار. فخلال جائحة فيروس كورونا، قدمت المؤسسة المالية من دون ضجيج قروضاً ومنحاً بلغت قيمتها الإجمالية 170 مليار دولار أمريكي لأكثر من 100 دولة لتصل إلى حوالي 70% من سكان العالم، حسب موقعها الإلكتروني.

وعندما يجتمع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في اجتماع الربيع في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الخميس (24 أبريل 2025)، سيواجهان أسئلة صعبة في أوقات غير مستقرة. أولاً تهدد سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعرقلة النمو الاقتصادي العالمي. وثانياً من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل دعم المؤسستين الدوليتين.

« مشروع 2025″ والابتعاد عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي

ما يغذي التكهنات حول خروج الولايات المتحدة الأمريكية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قبل كل شيء هو « مشروع 2025 » وهو برنامج يميني يريد دونالد ترامب تطبيقه بعد عودته للبيت الأبيض. ويدعو برنامج إعادة الهيكلة المحافظ والذي تم تطويره بمشاركة أكثر من مائة مركز أبحاث ومنظمة إلى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من كلتا المؤسستين لأنه ينظر إليهما على أنهما « تجار وسطاء مكلفين » يعيدون توزيع الأموال الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

وقد أدى انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية إلى جانب الأمر الذي أصدره في شباط/فبراير بمراجعة جميع المنظمات الدولية التي تمولها الولايات المتحدة في غضون 180 يوماً إلى زيادة المخاوف بشأن مشاركة الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المستقبل. ولم تعيّن واشنطن حتى الآن مديرين تنفيذيين لأي من المنظمتين.

ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تستفيد بشكل كبير من دورها في كلتا المؤسستين من الناحية الاقتصادية البحتة ومن خلال ممارسة « القوة الناعمة » التي تمكن الولايات المتحدة من نشر معاييرها وقيمها الخاصة. ومع حصولها على أكبر حصة من الأصوات في كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تتمتع واشنطن بحق النقض الفعال على القرارات المهمة. وغالباً ما ترتبط القروض المقدمة للبلدان المدينة بشروط، مثل تحرير السوق والتي تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة.

ويعتقد روبرت ويد، أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية لندن للاقتصاد LSE أن انسحاب الولايات المتحدة سيكون له تأثير خطير على مكانة واشنطن العالمية. ويقول وايد لـ DW: « لطالما تصرفت الإدارات الأمريكية المتعاقبة والكونغرس كما لو كان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكلاء أو أذرع للدولة الأمريكية. وبطريقة أو بأخرى، تمارس واشنطن تأثيراً كبيراً على سياساتهما ».

الرسوم الجمركية تصدم المستثمرين وتؤجج مخاوف الأزمة

تسببت الرسوم الجمركية الأعلى منذ حوالي 100 عام التي أعلن عنها دونالد ترامب في بداية الشهر في حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي خاصة وأن أسواق الأسهم قد تراجعت بشكل حاد. ويخشى منتقدو ترامب الآن من أن الحكومة الأمريكية المنغلقة على نفسها قد تعرض النظام المالي العالمي الذي تأسس في اتفاقية بريتون وودز عام 1944 بأكمله للخطر. في ذلك الوقت حددت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الشروط الإطارية للتجارة الدولية في المستقبل: الاستقرار من خلال أسعار الصرف الحرة، وهيمنة الدولار الأمريكي، وإنشاء مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ويقول كونستانتين غوردجييف، الأستاذ المشارك في العلوم المالية في جامعة شمال كولورادو في مقابلة مع DW: « ليس لدى إدارة ترامب موقف متماسك بشأن إصلاح البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو أي مؤسسة دولية أخرى ». ويضيف: « هذه أجندة تعاملية وشعبوية ومنغلقة على نفسها تهدف إلى تحقيق مكاسب سريعة على حساب النظام الدولي ».

ويمكن أن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى أزمة سيولة فورية في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي تعتمد موارده البالغة 1.5 تريليون دولار أمريكي بشكل كبير على المساهمات المالية الأمريكية. ويتوقع غوردجييف « تأثيراً كبيراً » على قدرة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تمويل تدابير فعالة في الأزمات المستقبلية.

وحسب غوردجييف فإن انسحاب الولايات المتحدة سيكون بمثابة هدية استراتيجية للصين التي استثمرت بالفعل بكثافة في توسيع نفوذها العالمي. ويقول غوردجييف: « كلتا المؤسستين فعالتان للغاية من حيث التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وتساعدانها على تحقيق أهدافها على المدى الطويل » في إشارة إلى تعاملاتها مع الصين.

دور الصين كمقرض عالمي

تشير حسابات أجراها مركز سياسات التنمية العالمية في جامعة بوسطن إلى أن الصين قدمت التزامات قروض بقيمة 500 مليار دولار أمريكي تقريبًا إلى 100 دولة بين عامي 2008 و2021. ونظراً لضعف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإن البلدان المثقلة بالديون أو التي تبحث عن تمويل لمشاريع البنية التحتية يمكن أن تتجه بشكل متزايد إلى المؤسسات الصينية. وسيعزز ذلك من النفوذ الجيوسياسي لبكين.

في عام 2015 أسست الصين ودول أخرى من دول البريكس في جنوب الكرة الأرضية بنك التنمية الجديد New Development Bank (NDB) والذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه منافس للبنك الدولي. ويقدم بنك التنمية الجديد قروضاً بشروط أقل صرامة ويشجع الإقراض بعملات غير الدولار، وبالتالي يتحدى الهيمنة المالية الغربية.

وسيترتب على انسحاب الولايات المتحدة نقل مقر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من واشنطن إلى اليابان، ثاني أكبر مانح. وبحسب روبرت ويد، أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية لندن للاقتصاد LSE، فإن الصين التي لا تحظى بتمثيل كافٍ في حصص التصويت (حيث لا تزيد حصتها في صندوق النقد الدولي عن 6.1% فقط) ستعارض ذلك بشدة.

هل يمكن أن يتفاوض ترامب على صفقة أفضل؟

« يمكن أن يجادل ترامب: قم بزيادة التمويل وستفوز بحصة أكبر من الأصوات »، قال وايد حول تكتيك تفاوضي محتمل من قبل الرئيس الأمريكي. « من الأرجح أن الولايات المتحدة يمكن على الأقل أن تهدد بشكل جدي بالخروج من البنك الدولي (لا من صندوق النقد) ».

في حين أن البنوك الإقليمية مثل بنك التنمية الآسيوي أو بنك التنمية للبلدان الأمريكية يمكن أن تؤدي دور البنك الدولي جزئياً، إلا أن بدائل صندوق النقد الدولي غير موجودة. وقد تعثرت جهود مجموعة البريكس لإنشاء نظير لصندوق النقد الدولي.

ويرى كونستانتين غوردجييف، الأستاذ المشارك في العلوم المالية في جامعة شمال كولورادو أن ترامب يعتقد أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي « مشجعين » لسياسته المتعلقة بالرسوم الجمركيةالعالية وأجندة « أمريكا أولاً » وأن واشنطن ستتخذ خطوات للحد من نفوذ الصين ودول البريكس الأخرى في كلتا المؤسستين. ويضيف: « لكن هذه المؤسسات لديها ما يكفي من النزاهة الفكرية لفهم مدى خطورة هذه السياسات على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي ».

غيوم عاصفة فوق الاقتصاد العالمي

في الواقع هناك قلق متزايد من أن سياسات ترامب التجارية الهجومية، إذا ما تم تنفيذها بالكامل، واتخذت الدول المستهدفة تدابير انتقامية، قد يؤدي كل ذلك إلى أزمة مالية عالمية كبيرة. وبالفعل خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو لعشرات الدول لأن تعثر التجارة العالمية يضغط على العديد من الدول المثقلة بالديون.

ويحذر روبرت ويد، أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية لندن للاقتصاد LSE، من أن « الوضع المالي العالمي هش للغاية في الوقت الحالي ويمكن أن ينقلب بسهولة إلى أزمة مالية » متوقعاً أن يضطر ترامب إلى التراجع عن محادثات الخروج من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي « إذا ظهرت علامات واضحة على أزمة ديون ».

وفي الوقت نفسه يحذر كونستانتين غوردجييف، الأستاذ المشارك في العلوم المالية في جامعة شمال كولورادو من أن عدم انخراط واشنطن في كلتا المؤسستين سيزيد من التشاؤم الحالي بشأن سياسات دونالد ترامب الاقتصادية ودور الولايات المتحدة المستقبلي في الشؤون العالمية. ويعتقد أن حالة عدم اليقين هذه قد تؤدي إلى أزمة هيكلية في وقت يعاني فيه كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من الضعف الشديد. ويحذر غوردجيف الذي يعمل أيضاً أستاذاً زائراً في كلية ترينيتي في دبلن من أن « هذا الأمر يؤدي إلى تحييد قدرة المؤسسات التي تعتبر الملاذ الأخير للمقرضين على القيام بعملها ». ويختم بالقول: « هذا هراء تام ومطلق ».

أعده للعربية: م.أ.م