السماء تضيء بألوان مختلفة، حترشة الحشرات الصغيرة وصرير الصراصير وتغريد الطيور بدأ يعلو.
إنها السادسة صباحا في مدينة إيتن الكينية، التي تقع على ارتفاع 2400 متر فوق سطح البحر، وتبعد حوالي 350 كيلومترا عن العاصمة نيروبي.
مئات من لاعبات ولاعبي ألعاب القوى المحترفين يأتون بشكل منتظم إلى هذه المدينة الصغيرة من كل أنحاء العالم، حيث يوجد مركز التدريب في المكان المرتفع. يُطلق على إيتن « موطن الأبطال » وتعتبر جنة العدائين. هنا تجهز نخبة العدائين نفسها للمشاركة في الألعاب الأولمبية.
هنا المنظر خلاب والإطلالة على وادي كيريو رائعة، لكن ليس لدى العداءات والعدائين ما يكفي من الوقت للاستماع بجمال الطبيعية هنا.
عداءة الماراثون الألمانية فابيين كونيغشتاين (31 عاما)، أيضا أتت إلى هنا للتدريب. وستبقى في إيتن مع زوجها وابنتها لتحضر نفسها وتستعد جيدا للمنافسات القادمة ومن بينها ماراثون بوسطن الشهير.
وفيما تجهز كونيغشتاين نفسها وتلبس حذاءها، يجهز زوجها ابنتهما سكادي، قبل الذهاب إلى حصة التدريب الأولى. « إنه لأمر رائع أن تكون العائلة معك هنا »، تقول فابيين، لـ DW وتضيف: « أستمتع بالوقت وخاصة وأنني إلى جانب التدريب أمضي الكثير من الوقت الجيد مع ابنتي ».
لا تسير الأمور بدون سكادي!
خلال مسيرتها الرياضية سافرت فابيين كونيغشتاين كثيرا إلى مركز التدريب هذا في كينيا. في الماضي كانت تسافر مع الفريق وتقريبا دائما من دون مرافقة أحد من العائلة. لكن بعد أن أصبحت أمّا عام 2022، تغيرت حياتها الخاصة والرياضية على حد سواء.
« سكادي عمرها عام ونصف، بدون طفلتي ما كان بإمكاني السفر إلى هنا »، تقول فابيين التي تتبادل الاعتناء بطفلتها مع زوجها في الاستراحة بين الوحدات التدريبية.
وتضيف: « في هذا العمر الأم دائما هي الشخص الأهم » بالنسبة للطفل. ولم تكن فابيين متأكدة تماما أنها يمكن أن تسافر مع عائلتها إلى هنا، حيث أن الأمر يتطلب الكثير من الجهد.
« في الحقيقة اعتقدت، أنه بعد الولادة يجب أن أتدرب أكثر في الشتاء البارد، وليس في المرتفعات »، وتضيف فابيين: « بعد أن غير كارستن (زوجها) توجهه المهني، وأعطينا كعائلة الأولوية لأهدافي الرياضية، يمكننا السفر والقدوم إلى هنا ».
« ليس هناك دعم مالي »
تخلى زوجها كارستن كونيغشتاين عن وظيفته الدائمة كطبيب مختص في الطب الرياضي وطب الأطفال، وأوقف مسيرته العلمية مؤقتا.
والآن يعيل أسرته كطبيب مقابل مكافآت المناوبة الليلية.
وبدون مساعدته سيكون من الصعب بل حتى غير ممكن بالنسبة لزوجته فابيين أن تكمل مسيرتها الرياضية كعداءة.
فبالنسبة للرياضيات اللواتي أصبحن أمهات مثلها، أو اللواتي ستصبحن أمهات، هناك نقص في الدعم.
تكاليف السفر الإضافية، تذاكر الطيران وتكاليف الإقامة في الفندق والمعيشة لزوجها والطفلة يجب أن تتحملها العائلة بنفسها، حيث أنه « ليس هناك دعم مادي من الروابط الرياضية »، تقول فابيين منتقدة. وتتمنى أن تقدم الروابط والمراكز الأولمبية المزيد من الدعم للرياضيات الأمهات.
الوضع بالنسبة للرياضيات المحترفات، مختلف، فهن لسنا كمن يعمل في شركة عادية ويحصل على أجر من رب العمل. « يزعجني الأمر مثلا، حين أفكر في مستقبلي التقاعدي، حيث ليس هناك دعم لنا. فأنا لست لدى الجيش أو الشرطة، أنا مستقلة تماما مهنيا »، تقول فابيين، التي لم يكن لديها مورد مالي خلال فترة الحمل، لأنها لم تستطع المشاركة بأي منافسة رياضية.
كثير من الرياضيات يتخلين عن فكرة الأمومة!
تطالب فابيين بالمزيد من الالتزاممن الجمعيات والأندية الرياضية تجاه لاعبات القوى اللواتي يرغبن أن يصبحن أمهات. « يمكنهن التخطيط بشكل أفضل وأكثر أمانا، حين يبقين ضمن كادر الفريق الوطني ويحصلن على المساعدة الرياضية ».
وتعتمد فابيين الآن على زوجها ماديا، والذي يساعد في تمويل مسيرتها الرياضية، وتقول بانزعاج: « حين يكون المرء قد أنهى دراسته ويحمل شهادة ماجستير، يريد الاعتماد على نفسه ويكسب المال بنفسه ».
لكن زوجها لا يساعدها ماديا فقط، وإنما يدعمها رياضيا أيضا، وقبل عدة سنوات تولى هو تدريب زوجته.
خلال حصة التدريب الأولى في هذا المركز بمدينة إيتن الكينية يجلس كارستن في السيارة المرافقة وسكادي في حضنه.
وفيما تستمع الطفلة بالزرافات والطيور على جانب الطريق، يعطي الزوج التعليمات لزوجته.
ليس لدى كل رياضية إمكانية الاعتماد على عائلتها، لذلك تتمنى فابيين كونيغشتاين، أن يكون هناك دعم للرعاية.
فالكثير من الرياضيات في ألعاب القوى يقررن عدم الحمل والإنجاب خلال مسيرتهن الرياضية، وتوضح فابيين: « ليس لديهن سند يمكنهن الاعتماد عليه، حين يرغبن في تأسيس عائلة ».
« لا أحد يرى نفسه مسؤولا »
انتهت حصة التدريب للجري مسافة 30 كيلومترا. استراحة قصيرة وتكمل الأم الرياضية تدريبها. تجري مكالمة عبر الفيديو مع جمعية « رياضيي ألمانيا ».
إنها تكافح في الوسط الرياضي من أجل تسليط مزيد من الضوء على وضع النساء الرياضيات، وتقول: « طبعا الأمومة مع الرياضة الاحترافية، هي شيء أساسي قريب جدا إلى قلبي »، وتضيف: « لدي شعور بأن مدى ضرورة وإلحاح هذه القضية معروف، لكن وببساطة هناك نقص في الموارد المالية والمسؤوليات ».
السؤال الرئيسي هو من يتحمل المسؤولية: اللجنة الأولمبية الألمانية باعتبارها المنظمة الأعلى للرياضة في ألمانيا؟ أم الاتحادات الرياضية بمفردها، أم المراكز الأولمبية؟ « يبدو أنه لا أحد يرى نفسه مسؤولا حقا »، تشكو فابيين.
لكن هناك رياضيات تجرأن وقررن الاستمرار في مسيرتهن الرياضية حتى بعد أن أصبحن أمهات، مثل عداءة سباق الحواجز غيزا كروازه ولاعبة كرة القدم ميلاني لويبولتس، وأيضا فابيين كونيغشتاين، التي شاركت بعد تسعة أشهر فقط من ولادة ابنتها سكادي في سباق ماراثون هامبورغ وقطعت المسافة في ساعتين و25 دقيقة و48 ثانية، محطمة رقمها السابق بنحو 7 دقائق.
« أنا فخورة بأنني أتمتع بالصحة وأستطيع في نفس الوقت التوفيق بين العائلة والرياضة. وهو ما ليس سهلا دائما، وأصل دائما إلى أقصى حدود طاقتي »، تقول عداءة الماراثون فابيين كونيغشتاين، في ختام حديثها مع DW.
وهي تريد من خلال سرد قصتها أن تشجع النساء الأخريات وأن تكون مثالا يحتذى، وهي تكافح من أجل ذلك على مضمار السباق أيضا ولن تشعر بالتعب واليأس من طرح قضية « الأمومة في الرياضة الاحترافية ».
أعده للعربية: عارف جابو