"أطفال القمر": معركة مع الطبيعة من أجل البقاء

"أطفال القمر": معركة مع الطبيعة من أجل البقاء

فاطمة الزهراء الغزاوي، أشهر فتاة مغربية من “أطفال القمر”، توفيت بعد معاناة طويلة مع المرض

تعتبر الأمراض الجلدية واحدة من أبرز التحديات الصحية التي يمكن أن تؤثر على طبيعة ونمط عيش الأفراد. من بين هذه الأمراض "جفاف الجلد المصطبغ"، المعروف أيضًا باسم "أطفال القمر".

يعد جلدنا بمثابة درع طبيعي يحمي أجسامنا من العوامل البيئية الضارة والعدوى، ومع ذلك، يعيش بعض الأشخاص مع حالة جلدية نادرة تُعرف باسم « جفاف الجلد المصطبغ »، والمشهورة أيضًا ب « أطفال القمر ».

تعتبر هذه الحالة تحديًا صحيًا ونفسيًا، يتعرض فيها المصابون لجفاف شديد في الجلد وقرنية العين بسبب حساسية مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية.

أصبح المرض محورا للنقاش بعد وفاة الشابة فاطمة الزهراء غزاوي، التي اشتهرت بلقب « فتاة القمر » الأحد الماضي، بعدما عانت من وضع صحي متدهور قاومته بشجاعة وسعت إلى مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي، مع رسائل مفعمة بالتفاؤل والأمل « لفئة القمريين ».

على الرغم من أن مرض « جفاف الجلد المصطبغ » يعتبر شائعًا، إلا أن الوعي العام حوله غالبًا ما يكون محدودًا، في الوقت الذي يناشد فيه المصابون بتعزيز الوعي المجتمعي تجاهه.

وبغرض فهمٍ أعمق لهذا المرض النادر والتحديات التي يواجهها مرضاه، حاورت « منارة » أحد المصابين به، ليشاركنا تجربته:

حمزة تزمرت، 26 عاما، مجاز سابق في شعبة القانون، مصاب بجفاف الجلد المصطبغ

هلا وصفت لنا حالتك الصحية الحالية مع المرض؟

– بداية، أريد أن أوضح أصل تسميتنا بأطفال القمر، نسمى « أطفالا » لأن أمد حياتنا غالبا ما يكون قصيرا ومحدودا في سن الطفولة، إذ يبدأ معنا المرض أطفالا وينهي حياة معظمنا ونحن لا نزال أطفالا، أما « القمر »، فهو دلالة على عدم قدرتنا على الخروج في وضح النهار، واكتفائنا بالظهور بعد مغيب الشمس، أي تحت ضوء القمر.

بخصوص حالتي الصحية مع المرض، فقد فقدت جزءا من أذني اليمنى، وتأثرث عيني اليسرى كثيرا، فيما تصل درجة ضعف النظر في عيني اليمنى إلى 3 من أصل 10، وأجريت إثر ذلك العديد من العمليات الجراحية.

هذا المرض لا يتحمل الأشعة فوق البنفسجية الطبيعية، وهنا نقصد الشمس وأشعتها، وكذلك الأضواء الاصطناعية، أي أننا نعتمد مصابيحا خاصة، ذات إضاءة خافتة لا تتجاوز قوتها 5 واط، وعند التعرض لأشعة الشمس أو الأضواء المرتفعة السطوع، تصاب بشرتنا « بالشيخوخة المبكرة » ويضعف سمكها، وتتضرر قرنية العين باعتبار حساسية المنطقة، كما أن الأشعة تجفف الدموع الطبيعية في العين، لذلك نستخدم عادة « قطرات الدموع الاصطناعية » لنحافظ على المستوى الأدنى من الترطيب، ما يمنع علينا التعرض لكل الأضواء الساطعة، مثل الكومبيوتر أو الهاتف في حال كانت إضاءته مرتفعة.

– كيف ظهرت عليك أولى أعراض المرض؟

– لقد رافقني المرض منذ ولادتي، ورثته عن والدتي، رغم أن أعراضه لم تظهر عليها، لكنها أصيبت بخلل في الجينات بسبب زواج الأقارب، أي جدي وجدتي اللذان كانا يقربان بعضهما، وبالتالي انتقل إليّ المرض عبر الرضاعة أنا وشقيقي، ولم تبدُ علي أعراضه إلا بعد أن بلغت عامي الأول، حيث بدأ تعرضي لأشعة الشمس والضوء.. بدت عليّ علامات المرض على شكل نقاط ملونة على بشرتي، والداي أخذاني وشقيقي إلى أطباء الأمراض الجلدية اللذين اكتفوا بتشخيص حالتنا على أننا « أطفال قمر »، وأنه ويجب أن نبقى حبيسي البيت فقط.

– كيف واجهتما صعوبات المرض في بداية مشواركما الدراسي؟

– بفعل تحذيرات الأطباء المتكررة لوالدينا حول تعرضنا لأشعة الشمس، اضطررنا إلى المكوث في البيت 8 سنوات، حُرمنا إثرها من الدراسة، قبل تدخل أحد الأقارب، الذي شجع والدينا على السماح لنا بالدراسة رغم المرض، ولأننا كنا نعيش في البادية، واجهنا صعوبة طول المسافة تجاه المدرسة، التي كانت تزيد عن نصف ساعة من المشي.

لم تكن لدينا أية وسائل للحماية، كنا تكتفي بوضع أقمشة سميكة على رؤوسنا لتحمينا من الأشعة طوال مدة الطريق، نصل إلى حجرة الدراسة وقد غلب علينا التعب، أشعة الشمس كانت تتسرب من كل النوافذ ومن كل الاتجاهات، وبالتالي كنا نواجه مشاكل في التركيز ومتابعة الدروس في السبورة بسبب ضعف النظر، واجهنا التنمر من البعض، وتجنبَنا البعضُ الآخر خوفا من أن يعاديه المرض حسب اعتقاده، لم يكن هناك أدنى وعي بالمرض سواء منا نحن المعنيون به أو من محيطنا الاجتماعي..

ما بقي راسخا في ذاكرتي من كل هذا هو الشكل الذي كنا نكبح به عنان طفولتنا، كيف عزلنا ذلك الطفل الصغير الذي لا يرغب في شيء سوى الارتماء في أحضان الطبيعة، أن يلعب وينسجم مع محيطه وأصدقائه.. رغم كل هذه الصعوبات كنا من المتميزين في المرحلة الابتدائية، ولو أن أملنا في متابعة الدراسة كان ضئيلا، كنا دائما ما نبحث عن مؤسسات مجهزة بداخلية لنتابع فيها دراستنا، فإن وجدناها يتم رفض طلبنا، بعذر الخوف من العدوى، رغم أن المرض غير معدٍ.

بعد انتقالنا إلى الكلية، ولأن الحضور كان أساسيا لمواكبة الدروس، كنا نلتجأ إلى بعض الزملاء لتسجيل المحاضرات صوتيا والإرسال بها إلينا، كنا نعزز الاستماع إلى المحاضرات المسجلة بالبحث والتعلم الذاتي، بغية تدارك هفوات الغياب.

وُفقنا أنا وشقيقي في الحصول على الإجازة رغم كل هذه الصعاب، لم نستسلم لقساوة الظروف، اعتبرنا المرض محفزا لا معيقا، وحاولنا بكل جهد تغيير الصورة النمطية حولنا، وإثبات عكسها، أننا قادرون على تحقيق أهدافنا وبلوغها.. وها نحن ذا، أنا وشقيقي، حاليا أول مجازين في المغرب من فئة أطفال القمر.

– هل تواجه مشاكلا مع المجتمع بفعل غياب الوعي بهذا المرض؟

– بالتأكيد، من هذه المشاكل، على سبيل المثال لا الحصر، أن سيارات الأجرة ترفض نقلي في أحايين كثيرة، في وضح النهار، فقط لأني أرتدي نظاراتي السوداء وخوذة حمايتي وأضع على وجهي معطفا أو قميصا لأضاعف الحماية، لا سيارة أجرة تقلني للأسف، فقط لأني أبدو مختلفا، هنا أشعر بالنقص والتمييز. الأمر ذاته يتكرر في الكلية والشوارع وكل الأماكن العمومية، أما في الحافلات، فالأمر أكثر قسوة، فالركاب يغيرون أماكنهم فور صعودي خوفا مني.

لا تفسير لهذا الخوف المجتمعي من « أطفال القمر » غير ضعف الحملات التحسيسية، هذا إن لم نقل انعدامها فيما يتعلق بهذا الموضوع، فقلما نجد مرض « جفاف الجلد المصطبغ » موضوعا لأحد البرامج التوعوية أو الندوات أو المقالات الصحفية..

أحاول من جهتي التعريف بالمرض قدر المستطاع، حينما تتاح لي الفرصة، أو حينما ألاحظ علامات الاستغراب والخوف من خوذتي الواقية على وجه أحد المارة، احاول طمأنته بأنه مرض غير معدي، وأنني إنسان طبيعي لا أختلف عن الآخرين في شيء سوى طبيعة جلدي، أكرر العملية دون كلل في كل الأماكن العمومية.

المصابون بهذا المرض لا يستطيعون النضال أو الاحتجاج حول حقوقهم مع الأسف، لأن المرض يفرض علينا قاعدته؛ المكوث في البيت طوال النهار، لذا نحاول النضال فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للحد من التنمر قدر المستطاع، منشوراتي ودردشاتي أصبحت تتعرض للحظر من طرف إدارة فيسبوك بسبب ترافعي الدائم حول قضيتنا، فهي تبقى قضية حقوقية على كل حال، لفائدة فئة اعتبرها « مجردة من أبسط حقوقها ».

– كيف هي تكاليف الأدوية التي يحتاجها « أطفال القمر »؟

– هذا المرض مكلف جدا، مرهمات الترطيب والحماية باهظة الثمن، ويجب وضعها على الجلد بسخاء وباستمرار، حتى وإن لم نتعرض لأشعة الشمس فإنها تبقى أساسية للحفاظ على سمك البشرة، فضلا عن ضرورة اتباع نظام غذائي صحي صارم، هذا بغض النظر عن قطرات العينين والدموع الاصطناعية، لأن عيوننا لا تنتج دموعا طبيعية.. أطفال القمر لا يملكون دموعا، والبكاء يجرح قرنية عيوننا في كل مرة.

هذه القطرات حاليا منقطعة في المغرب لأن استهلاكها ضعيف، بسبب ضعف القدرة الشرائية لمعظم عائلات وأولياء « أطفال القمر »، وبالتالي فنحن نحدد الأولويات ونضحي بأدوية من أجل أخرى.

– كيف يؤثر ضعف الوعي العام بهذا المرض على الجانب النفسي لأطفال القمر؟

– معظم أطفال القمر ليسوا اجتماعيين، ليس بمحض إرادتهم، بل لأن ثقافة إشراكهم في التجمعات العائلية والمناسباتية شبه منعدمة، نحن لا نعيش أجواء المناسبات، كعيد الأضحى مثلا، لأن عائلاتنا غير واعية بطريقة إشراكنا في الجلسات العائلية، لحضور أجواء ذبح الأضحية أو الشواء مثلا.. يكتفون بإبقائنا بين جدران غرفنا المظلمة طيلة اليوم، اعتقادًا منهم أننا بأفضل حال بهذا الشكل، في الوقت الذي نحس فيه بالنقص بشكل مضاعف.. معظم الأطباء مع الأسف لا يقومون بأدوارهم اللازمة في التوعية حول هذا الموضوع، حالتنا النفسية آخر ما يهم المجتمع.

– ما هي مطالبكم للجهات المعنية بهدف النهوض بوضعية « القمريين » في المغرب؟

– أصبحنا نتجاوز مطالبنا فيما قد يراه البعض « كماليات » فيما يتعلق بحقنا في الترفيه والعيش الكريم، لا شواطئ ولا مسابح ولا ولوجيات في مختلف الأماكن العمومية تراعي خصوصية إعاقتنا أو تروم إشراكنا في المنظومة الاجتماعية، لكننا نطالب بأبسط حقوقنا وأكثرها أهميةّ؛ الحق في الشغل.. ضحينا كثيرا بسلامتنا الصحية وبوضعيتنا المادية والنفسية في سبيل الدراسة، فهل يعقل أن نواجه هذا الإقصاء من سوق الشغل بسبب ظروفنا الصحية؟

نحن نطالب بتخصيص مناصب شغل لهذه الفئة، ولبلوغ هذا الهدف، لا بد من تصنيف هذا المرض أولا، ثم مراعاة خصوصيتنا وملائمتها ومناصب الشغل المتاحة لنا، على غرار باقي الإعاقات، وتخصيص معاهد لفئة « القمريين » تيسر لهم متابعة مسارهم الدراسي بالشكل الأنسب لحالاتهم الصحية.

– بالنسبة إليك، ما هي الحلول الممكن اعتمادها لتحقيق هذه المطالب لتحسين وضعية القمريين؟

– أولا، لا بد من الإشارة إلى « أطفال القمر » كإعاقة معترف بها في القوانين المؤطرة للإعاقات وطنيا. ثانيا، تجهيز المرافق العمومية لتيسير ولوج « القمريين ». ثالثا، تخصيص منحة لتغطية تكاليف علاج هذه الفئة، لأن « الضمان الاجتماعي » لا يشمل ما يصنف ضمن « مواد التجميل »، رغم أن هذه المواد هي أدوية القمريين. ورابعا، نتمنى السير على نهج الدول المتقدمة في خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتأسيس مدارس خاصة لهذه الفئة، تتكيف وظروفهم الصحية.

روبورتاج من إعداد: لبنى مازيغ